عندما يحتار مركب السلفات ... كيف نرسيه على بر الأمان!
يقول المثل الشعبي: "مركب الضراير سار ومركب السلفات احتار" ويشهد هذا المثل على وقائع لا تخفي على الكثير منا في المجتمع العربي بشكل عام.
تمثل الغيرة لدى الإنسان عموماً ظاهرة مجتمعية طبيعية، لكنها إذا ما اقترنت بدوافع مادية أو نفسية أو اجتماعية تخرج عن النطاق المألوف إلى النطاق المرضي، فكما يوجد عائلات تهنأ بعلاقات متوازنة فيما بينها، توجد علاقات قد تسبب فيها الغيرة والحسد بين السلفات ما يمس العلاقات الأسرية بضرر غير يسير، وتُدخل الغيرة بين السلفات أسر الأخوة في دائرة لا متناهية من القلق والتوتر مما يؤثر سلبا على الترابط العائلي، وينعكس أيضا على جيل المستقبل الذي يسمع ويري تصرفات لا مبرر لها تحركها الغيرة فقط.
الأسباب والدوافع
د. فوزي أبو عودة أخصائي نفسي اجتماعي يتحدث عن أهم الدوافع التي تؤدي بالمرأة إلى انتهاج سلوك الغيرة المذمومة مع قريناتها، قائلاً: "أولها دوافع تربوية اجتماعية"، لافتاً أن المرأة إذا ما تربت على الحقد وزرعت لديها أمنيات زوال النعم عن الآخرين لصالحها، فإنها تغار من أي امرأة في محيطها الأسري.
وبيَّن د. أبو عودة أن قدرات المرأة وإمكاناتها الشخصية وقلة مهاراتها مع وجود سلفات أكثر قدرة ومهارة أيضاً دافعاً للغيرة الذميمة.
مؤكداً أنها في هذه الحالة تتمنى أن تمتلك ما تمتلكه سلفتها لتبدو أكثر قوة، وأحياناً تتمنى زوال القدرة عنهنّ منوهاً أن تلك المشاعر تؤدى إلى حالة من البغضاء والتنافر الاجتماعي لديهنّ.
وبحسب د. أبو عودة فإن القدرة المالية لدى المرأة إذا ما اقترنت بتفوق مالي واقتصادي لدى سلفتها تشكل عاملاً آخر للغيرة الذميمة. مشيراً إلى أن تلك المرأة يشتعل فتيل الغيرة لديها كلما ظهرت سلفتها بلباس جديد، أو غيرت شيئاً في بيتها.
مؤكداً أن غالبية وقتها تتمنى زوال النعمة عن سلفتها؛ لكي لا تظهر بقدرة أعلى منها، سواء على النطاق الاقتصادي أو الاجتماعي، وأوضح أن دافع الموضة يتداخل مع الدافع الاقتصادي للغيرة لدى المرأة من سلفتها.
مبيناً أن مسايرة السلفة للموضة يجعل قرينتها أكثر نقمة عليها، كونها لا تمتلك القدرة على مسايرة الموضة، وقال د. أبو عودة: "إن قيام الزوج بعلاقات اجتماعية خارجية مع نساء بخلاف زوجته يشعل فتيل الغيرة داخل قلبها، خاصة إذا ما تعمد الزوج أن يستثير غيرتها بالحديث عن زميلاته وعلاقاته الودودة معهنَّ في العمل، فتبدأ المشاحنات معه، وأضاف أن وسائل الإعلام بما تعرضه من دراما تعزز ثقافة الغيرة المذمومة لدى النساء، فيعمدنّ إلى تقليد بطلات المسلسلات في حياتهنّ اليومية".
الحل بالرضا والإيمان
يؤكد د. أبو عودة أن الحل السحري لعلاج الغيرة وتجنب آثارها المدمرة على الأسرة والأبناء والحياة الاجتماعية بشكل عام يبدأ من الرضا والإيمان بما قدره الله للإنسان من مقومات في شخصيته وفي ظروفه الاجتماعية بالفقر أو الغنى.
داعياً المرأة إلى النظر لما لديها من مقومات ونعم من الله عز وجل. مؤكداً أنها إذا ما تحلت بهذا الوعي الديني وامتلكت قناعة الرضا بالمقسوم، فإنها ستعتزل الغيرة الذميمة، لأنها بحسب رأيه ستكون راضية بقسمة الله لها، وشدد على أن الإيمان بالقسمة التي حباها الله بها يجنبها ويلات الشعور بالغيرة الذميمة، وأشار أن المرأة التي تقبل بما كتب الله لها تكون أسعد الناس.
ويكشف د. أبو عودة أن التفاؤل بالحياة يمنح المرأة سعادة ورضا بما لديها، ويجعلها تأمل بأن ما منعه الله عنها اليوم سيدخره لها في الزمن القادم، مما ينهي لديها مشاعر الغيرة من غيرها، ويرتقي بنفسها وتعاملاتها إلى الحب والاحترام المتبادل. وبيّن أن حالة الرضا بما كتبه الله من قسمة ونصيب في كافة مناحي الحياة يتأتي بقراءة الكتيبات الدينية، ومتابعة المحاضرات والبرامج التي تغرس في الإنسان قيم الإيمان والرضا بما كتبه الله تعالى، مؤكداً أن ذلك كله يجعل المرأة في مستوى غيرة طبيعية محمودة لا مذمومة.
إلى ذلك أوضح د. أبو عودة أن تعامل الرجل مع زوجته ومشاعر غيرتها من السلفة أو الزميلة في العمل تحدد مدى اشتعال غيرتها في قلبها أو انطفاء جذوتها، وقال: "الرجل مصدر التربية الصحيحة والسليمة لتقويم سلوك المرأة"، داعياً الرجل إلى أخذ دوره في تربية زوجته على قبول ظروفها الاجتماعية والمادية وتقبل الغير وحبهم، وإقامة العلاقات الطيبة معهم. مؤكداً أنه لا يجوز للرجل أن يتنصل من مهامه تجاه زوجته.
ويؤكد د. أبو عودة أن الغيرة المذمومة عدوى اجتماعية تنتقل آثارها السلبية إلى الأبناء محذراً الأمهات منها، لافتاً إلى أن الطفل في الصغر يتشرب سلوكيات وقيم أبويه، فإذا ما بُنيت على الغيرة انتقلت إليه وأفسدت الجو النفسي داخله وفي علاقاته مع الغير في الخارج.
ــــــــــــــــــ
منقول